د. محمد سليم يكتب ..محطات البطاريات التعويضية: مستقبل إدارة الطاقة بين التقليدي والمتجدد

في ظل التحولات المتسارعة في قطاع الطاقة وتزايد الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، برزت محطات البطاريات التعويضية (Battery Energy Storage Systems – BESS) كأحد الحلول الاستراتيجية لضمان استقرار الشبكة الكهربائية، لا سيما مع زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح مع تقلبات انتاجية المحطات المتجددة وايضا تحقيق التشغيل الاقتصادي للمحطات التقليدية (وهو الامر الجديد فى هذا المقال ولم يتطرق له احد من قبل) وخاصة المحطات ذات الدورة المركبة.
1- محطات البطاريات كحل تعويضي وليس توليدي
من الضروري التأكيد على مفهوم أن محطات البطاريات ليست محطات توليد للطاقة، بل تعمل كوسيلة تعويضية لتنظيم الحمل وتخزين الفائض من الطاقة المتجددة وإعادة ضخه عند تقلبات الانتاج وعدم استقراره لاسباب متعددة نهاريا او انقطاعه تماما ليلا. ومن الضرورى ايضا التأكيد على ان يتم شحن البطاريات في الفترات التي يتوفر فيها فائض من الطاقة الشمسية أو الرياح قدر الامكان أو عند انخفاض الاحمال على المحطات المركبة مما يضطرها للتشغيل على ادنى حمل وبالتالى يتم الشحن لضبط التحميل للحفاظ على التشغيل الاقتصادى للمحطات التقليدية بأعلى كفاءة حرارية، ومن ثم يتم تفريغ شحنة البطاريات لدعم الشبكة فى حالة ازدياد الطلب على الطاقة.
2- دور محطات البطاريات في المحطات ذات الدورة المركبة
نعلم ان المحطات ذات الدورة المركبة تعتمد على استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في المرحلة الأولى (الوحدات الغازية)، ثم استغلال الحرارة المتدفقة مع العادم لتوليد المزيد من الطاقة في مرحلة لاحقة (الوحدة البخارية). ومع ذلك، فإن هذه المحطات تحتاج إلى الحفاظ على حد أدنى من الحمل التشغيلي لضمان كفاءتها واستمراريتها، والمحطات ذات الدورة المركبة تتميز بارتفاع كفاءتها الحرارية، حيث يبلغ معامل الاستهلاك النوعي للوقود نحو 160 جم/ ك.و.س عند التشغيل على الحمل اكبر من 85 % من القدرة التشغيلية للوحدات العاملة، إلا أن هذه الميزة تتراجع بشكل حاد عندما تنخفض الأحمال إلى أقل من 30%، مما يؤدي إلى خروج الجزء البخاري من الخدمة والعمل بالدورة البسيطة، الأمر الذي يرفع معامل الاستهلاك النوعى للوقود إلى أكثر من 340 جم/ ك.و.س مما يسبب فى ارتفاع تكلفة وحدة الطاقة المنتجة.
هنا تتجلى أهمية محطات البطاريات، حيث يتم شحنها خلال فترات الحمل الأدنى بدلاً من تشغيل التوربينات الغازية بكفاءة منخفضة، ليتم تفريغها لاحقًا خلال فترات الذروة أو عند انخفاض التوليد من المصادر المتجددة، مما يحافظ على تشغيل المحطة بكفاءة عالية ويقلل من استهلاك الوقود.
3- المواقع الاستراتيجية لمحطات البطاريات في الشبكة
تختلف مواقع تركيب محطات البطاريات تبعًا لأهداف استخدامها، ويمكن تحديد ثلاثة مواقع رئيسية:
داخل المحطات: المتجددة او التقليدية لدعم التشغيل الاقتصادي، والتغلب على تقلبات الانتاج الشمسي او الرياح، وتحسين الكفاءة الحرارية للمحطات التقليدية.
كمحطات منفصلة على مستوى الشبكة: لتعزيز استقرار الجهد والتردد، وتأمين الاستجابة سريعة للطلب.
على مستوى الجهود المتوسطة في شبكات التوزيع: لخفض الضغط على المحولات، وتقليل الفقد في الشبكة، وضمان استقرار إمدادات الطاقة للعملاء الصناعيين والتجاريين.
4- التأثير الاقتصادي والبيئي لمحطات البطاريات
تقليل استهلاك الوقود: من خلال تقليل الحاجة إلى تشغيل التوربينات الغازية عند الأحمال المنخفضة.
خفض انبعاثات الكربون: نتيجة التشغيل الأكثر كفاءة للمحطات التقليدية وتقليل حرق الوقود الأحفوري.
تحقيق عائد استثماري مرتفع: من خلال تقليل التكاليف التشغيلية للمحطات وتحسين استغلال موارد الطاقة المتجددة.
الخلاصة
تمثل محطات البطاريات التعويضية عنصرًا حيويًا في مزيج الطاقة الحديث، حيث تساهم في تعزيز تكامل الطاقة المتجددة، وتحقيق كفاءة تشغيلية للمحطات التقليدية، وتقليل الفقد في الشبكة. ومع التوسع في استخدامها، ينبغي وضع استراتيجيات واضحة لاختيار المواقع والقدرات المثلى لها وتحديد آليات التشغيل التي تحقق أقصى استفادة اقتصادية وفنية.
إن تطوير قطاع الطاقة لا يتوقف عند التوسع في مصادر التوليد فقط، بل يتطلب حلولًا ذكية لإدارة الطاقة بكفاءة، وهنا يأتي دور محطات البطاريات كركيزة أساسية في مستقبل الأنظمة الكهربائية الحديثة على مستوى المستهلك النهائى او التوزيع او الشبكة القومية او كل ذلك فى ان واحد.
د. م. محمد سليم سالمان
خبير استشارى الطاقة 01005812879
رئيس قطاع بكهرباء مصر سابقا