“التسويات الوظيفية في الكهرباء.. هل يحسمها الوزير؟”

بقلم : احمد لطفى
قطاع الكهرباء، هذا العصب الحيوي الذي لا غنى عنه ، يواجه تحديات جسيمة، ليس فقط في التشغيل والتطوير، ولكن في الحفاظ على أثمن ما يملكه: كفاءاته البشرية. فمنذ صدور قرار استثناء وزارة الكهرباء والطاقة من الإجازات بدون مرتب، ووضعها تحت سلطة القطاع المختص أو رئيس مجلس الإدارة، أصبح لزامًا علينا أن ننظر بعين الحكمة إلى ما يحدث داخل أروقة هذا المرفق الحيوي.
نزيف الكفاءات… القضية التي لا تحتمل التأجيل
المهندسون، المحاسبون، الفنيون، وغيرهم من كوادر قطاع الكهرباء، يواجهون واقعًا قاسيًا. الفجوة بين ما يتقاضونه في الداخل وما تعرضه الأسواق الخارجية باتت شاسعة، والأمل في تحسين الدخل داخل القطاع لا يزال بعيد المنال. وهذا ما يدفع أعدادًا متزايدة منهم إلى البحث عن فرص خارجية، ما يؤدي إلى تفريغ القطاع من كوادره الأساسية، الأمر الذي يهدد استقراره وكفاءته التشغيلية.
وهنا، نرى أن الحل ليس في التضييق أو المنع، بل في إيجاد مخرج متوازن، يحفظ للقطاع استقراره، ويوفر للعاملين فرصًا عادلة. أحد الحلول المقترحة هو وضع لائحة منظمة لفرص السفر، بحيث يتم تحديد مدة زمنية محددة لمن يرغب في الاستفادة من فرص العمل الخارجية، مع ضمان استمرار تدفق الكفاءات عبر تعيينات جديدة أو إعادة هيكلة الموارد البشرية.
التكليفات الوظيفية غير العادلة… تقدير وهمي بلا حقوق
وفي ظل هذا النزيف، نجد أن هناك أزمة أخرى لا تقل خطورة: التكليفات الوظيفية غير العادلة. آلاف العاملين يمارسون مهام تفوق مسمياتهم الوظيفية، دون أن يحصلوا على التقدير الإداري والقانوني المستحق. فهل من العدل أن نجد:
قارئ عدادات يعمل في قسم الحسابات؟
فنيًا مكلفًا بأعمال الشؤون المالية؟
محصلًا أصبح رئيس قسم أو رئيس فرع؟
فنيين مكلفين بأعمال العلاقات العامة أو الشؤون الإدارية؟
هذه التكليفات رغم أنها تسد العجز المؤقت في بعض الإدارات، إلا أنها لا تمنح أصحابها أي حقوق حقيقية، بل تضعهم في وضع إداري هزيل، أشبه ما يكون بتقدير معنوي لا يسمن ولا يغني من جوع.
المادة 17… ولائحة شؤون العاملين تحت المجهر
هناك إشكالية أخرى في تطبيق لوائح شؤون العاملين، خصوصًا المادة 17، التي لا تعكس التطورات المهنية للموظفين الذين حصلوا على مؤهلات عليا أثناء الخدمة. تطبيق النظام القديم يجعلهم يعودون إلى درجات أدنى، بدلاً من ترقيتهم بناءً على ما يقومون به فعليًا من أعمال أعلى مستوىً من مسمياتهم الوظيفية الأصلية.
لذلك، فإن الحل العادل يكون عبر:
1. مراجعة المادة 17 لضمان عدم تراجع العامل إلى درجة أدنى عند التسوية، بل بقاؤه في درجته الحالية أو ترقيته وفقًا لمؤهله.
2. حصر شامل للمسميات الوظيفية والمواقع الفعلية للموظفين، بحيث تكون البيانات الإدارية مطابقة للواقع.
3. تحديث لائحة شؤون العاملين، بحيث يُمنح العامل التكليف المناسب وفقًا لمؤهله الفعلي، وليس فقط المسمى الوظيفي المعين عليه.
الطريق إلى الإصلاح يبدأ بإرادة قوية
إن قطاع الكهرباء يقف عند مفترق طرق، وأي تأخير في معالجة هذه الأزمات قد يفاقم المشكلات ويؤثر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. من هنا، نرى أن الحلول يجب أن تبدأ بـ:
إعداد لائحة تنظم سفر العاملين لفترات محددة، لضمان عدم إفراغ القطاع من كوادره.
تصحيح أوضاع العاملين المكلفين بمهام أعلى من مسمياتهم الوظيفية، ومنحهم حقوقهم كاملة.
إعادة النظر في لائحة شؤون العاملين، خاصة المادة 17، لحماية الحقوق المكتسبة للعاملين.
تشكيل لجنة متخصصة من الشركة القابضة والموارد البشرية، لإجراء حصر دقيق للوظائف والمواقع الفعلية للعاملين، والتأكد من تطابق البيانات الرسمية مع الواقع الفعلي.
ثقة راسخة في القيادة الحكيمة
معالي الوزير، لسنا هنا لعرض المشكلة فقط، بل نضع بين أيديكم حلولًا عملية قابلة للتنفيذ، هدفها الأول والأخير هو حماية هذا القطاع الذي هو مصدر رزق آلاف الأسر، وضمان استقراره على المدى البعيد.
ونحن على يقين تام بأن القيادة السياسية أحسنت الاختيار حين وضعتكم على رأس هذا القطاع الحيوي، لما لكم من رؤية إصلاحية واضحة وتجارب ناجحة في تحديث وتطوير قطاعات الدولة. ونعلم أنكم قادرون، بفضل خبرتكم، على إحداث التغيير المطلوب، ووضع سياسات تضمن حماية حقوق العاملين، والحفاظ على استقرار القطاع، وتحقيق التوازن بين متطلبات السوق الداخلية والخارجية.
إننا نثق في قراراتكم، وفي قدرتكم على إعادة النظر بعين الحكمة فيما يحتاجه قطاع الكهرباء ليظل قويًا، مستقرًا، وقادرًا على مواكبة التحديات.