أسعار المعادن النادرة .. 225 ألف طن من الإنتاج الصيني يعيد تشكيل السوق

شهدت أسعار المعادن النادرة تقلبات حادة في السنوات الأخيرة بعدما رفعت الصين إنتاجها إلى 225 ألف طن، مما أدى إلى تغيرات كبيرة في توازن العرض والطلب، فبعدما وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية، تراجعت بشكل ملحوظ تحت تأثير زيادة المعروض العالمي و تباطؤ نمو الطلب.
فعلى سبيل المثال، انخفض سعر أكسيد البراسيوديميوم المستخدم في صناعة المغناطيس الدائم- بنسبة 34%، كما تراجع أكسيد التيربيوم وأكسيد النيوديميوم إلى أدنى مستوياتهما منذ فترة طويلة، وفق بيانات معهد الأرض النادرة والمعادن الاستراتيجية.
سنتناول في هذا المقال هيمنة الصين على سوق المعادن النادرة وتأثير قراراتها الإنتاجية على التوازن بين العرض والطلب، بالإضافة إلى العوامل التي ساهمت في ارتفاع الأسعار خلال الفترات الماضية، مثل التوترات الجيوسياسية والاضطرابات في سلاسل التوريد.
كما سنناقش تأثير التقلبات السعرية على الصناعات الحديثة، خاصة السيارات الكهربائية والتكنولوجيا المتقدمة، وأخيرًا، سنستعرض التوقعات المستقبلية لأسعار المعادن النادرة في ظل التوجهات الاقتصادية العالمية، بما في ذلك الاستثمار في مصادر بديلة وتقنيات إعادة التدوير.
الصين تسيطر على أسعار المعادن النادرة
واصلت الصين تعزيز هيمنتها على سوق أسعار المعادن النادرة، حيث أصدرت ثلاث دفعات من حصص إنتاج هذه المعادن، وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها مثل هذا الإجراء منذ 17 عامًا.
وبلغ إجمالي الحصة السنوية 255 ألف طن، بزيادة 21.4% مقارنة بالعام السابق، ما عزز الإمدادات العالمية وأسهم في الضغط على أسعار المعادن النادرة.
و تزامن هذا مع انعقاد المؤتمر المركزي للعمل الاقتصادي في بكين، الذي شهد تلميحات قوية من المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم بوجود حوافز اقتصادية مرتقبة. وقد دفع ذلك المستثمرين إلى تكثيف شراء السلع الأساسية، وسط توقعات بإجراءات جديدة لمواجهة تباطؤ النمو المحلي والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة.

ارتفاع أسعار المعادن النادرة والتوترات الجيوسياسية
ارتفعت أسعار المعادن النادرة بالتزامن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، لا سيما في الفترة التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا. وشهدت المعادن الأرضية النادرة -المقدرة بـ 17 معدنًا- زيادات ملحوظة، خاصة في النصف الثاني من العام الماضي.
وامتد هذا الارتفاع ليشمل المعادن المستخدمة في إنتاج مغناطيسات محركات السيارات الكهربائية، حيث سجلت سبائك البراسيوديميوم والنيوديميوم زيادة بنسبة 32%، ليصل سعرها إلى 1.28 مليون يوان صيني.
العوامل المؤثرة في ارتفاع أسعار المعادن النادرة
عدة عوامل اجتمعت لدفع أسعار المعادن النادرة إلى الارتفاع، وأبرزها:
- تعطل الإمدادات من ميانمار، التي تعد مصدرًا رئيسيًا للمعادن النادرة الموجهة للصين.
- زيادة الطلب العالمي، خاصة مع التوسع في إنتاج السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
- الفجوة بين العرض والطلب، رغم أن الشركات المنتجة تعمل بطاقتها القصوى.
- وقد سجلت أسعار البراسيوديميوم والنيوديميوم ارتفاعًا إلى 735 ألف يوان للطن المتري، وفق بيانات شانغهاي ستيل هوم للتجارة الإلكترونية.
- تأثير ارتفاع أسعار المعادن النادرة على الصناعات الحديثة
- أدى ارتفاع أسعار المعادن النادرة إلى زيادة مخاوف الصناعات التي تعتمد عليها، مثل:
- إنتاج السيارات الكهربائية، حيث يدخل النيوديميوم والبراسيوديميوم في تصنيع المغناطيس الدائم لمحركاتها.
- توربينات الرياح، التي تعتمد على معادن نادرة لتقليل الحاجة إلى الصيانة الدورية.
- الإلكترونيات الحديثة، بما في ذلك الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة.
وقد قفزت أسعار المعادن النادرة في الصين إلى أعلى مستوى منذ 10 سنوات، حيث بلغ سعر أكسيد براسيوديميوم-نيوديميوم 735 ألف يوان (115 ألف دولار) للطن المتري. ويُستخدم هذا المعدن في إنتاج مغناطيس نيوديميوم (NdFeB)، الذي يتميز بقدرته على البقاء ممغنطًا دون الحاجة إلى مجال مغناطيسي خارجي.

مخاطر وتأثيرات مستقبلية على أسعار المعادن النادرة
مع استمرار سيطرة الصين على الإنتاج العالمي للمعادن النادرة، تبرز مخاوف بشأن الإمدادات المستقبلية، لا سيما أن بكين توفر 70% من الإمدادات العالمية. وقد يؤدي أي اضطراب في سلاسل التوريد إلى زيادة تكاليف الإنتاج عالميًا، مما قد ينعكس على المستهلكين من خلال ارتفاع أسعار المعادن النادرة والمنتجات التي تعتمد عليها.
توقعات وتحليلات حول أسعار المعادن النادرة
تشير التوقعات إلى أن أسعار المعادن النادرة قد تشهد مزيدًا من التقلبات خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بعدة عوامل رئيسية. فمن ناحية، قد يؤدي استمرار التوترات الجيوسياسية والقيود التجارية إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى، خاصة إذا فرضت الدول الغربية مزيدًا من العقوبات على الموردين الرئيسيين أو سعت إلى تقليل اعتمادها على الصين.
ومن ناحية أخرى، فإن زيادة الاستثمارات في مشروعات التعدين الجديدة خارج الصين، مثل تلك التي تُقام في أستراليا وكندا، قد تسهم في استقرار الأسواق وتقليل هيمنة بكين على الإمدادات العالمية. كما أن التطورات في تقنيات إعادة التدوير قد تساعد في الحد من التقلبات السعرية، من خلال توفير مصدر بديل لهذه المعادن الحيوية.
ويتوقع الخبراء أن الطلب على العناصر الأرضية النادرة سيظل مرتفعًا في السنوات القادمة، خاصة مع التوسع في صناعات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، مما قد يدفع الأسعار للصعود مجددًا على المدى الطويل. ومع ذلك، فإن أي زيادة كبيرة في الإنتاج، سواء من الصين أو الدول المنافسة، قد تخلق فائضًا في المعروض يؤدي إلى موجة جديدة من التراجع السعري.
ختامًا، في ظل تزايد الطلب العالمي على هذه الموارد الحيوية، يصبح من الضروري البحث عن مصادر بديلة وتأمين الإمدادات من خلال إعادة التدوير أو تطوير تقنيات جديدة لاستخدام المعادن بشكل أكثر كفاءة، لتقليل الاعتماد على الموردين الرئيسيين، وخاصة الصين.

فيديو المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات الاستراتيجية
المراجع
- الهيمنة الصينية واحتدام المنافسة الدولية على المعادن النادرة.. المركز المصري للفكر و الدراسات الاستراتيجية
- المنظمة العربية للتنمية الصناعية و التعدين
اقرأ أيضاً:
- 378 مليار دولار.. تجارة المعادن النادرة و مستقبل التكنولوجيا و الصناعة
- 3 طرق.. لماذا يعتبر استخراج المعادن النادرة عملية صعبة؟
- احتياطي المعادن النادرة.. 10 دول تمتلك كنوز المستقبل التكنولوجي
- 3 تطبيقات هامة.. تعرف على أهمية المعادن النادرة في التكنولوجيا الحديثة
- أنواع المعادن النادرة..17 عنصراً أساسياً في الصناعات التكنولوجية
- استخدامات المعادن النادرة .. 7 مجالات حيوية تُغيّر مستقبل التكنولوجيا