هل الطاقة النووية مناسبة للدول العربية؟ (تقرير)

تشهد الطاقة النووية في العالم العربي اهتمامًا متزايدًا خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تسعى عدة دول إلى اعتمادها بوصفها مصدرًا مستدامًا للكهرباء وتحلية المياه، وسط تطلعات لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ووفقًا لمتابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)؛ فإن 6 دول عربية تمضي حاليًا في مشروعات نووية سلمية، بقيادة الإمارات، التي تُعَد الدولة العربية الوحيدة التي تملك محطة نووية قائمة وفاعلة لتوليد الكهرباء.
ومع تصاعد هذه التوجهات، يبرز تساؤل محوري: هل تُعد الطاقة النووية خيارًا مناسبًا للدول العربية، أم أنها تظل رهانًا معقّدًا في ظل التحديات الاقتصادية والتقنية؟
وتنطلق المساعي العربية نحو هذه الطاقة من دوافع متعددة، تشمل تحسين مزيج الكهرباء، وضمان أمن الإمدادات، وتطوير القدرات التكنولوجية.
في المقابل، تُثير هذه الجهود تساؤلات بشأن مدى جاهزية البنى التحتية، والقدرة على الوفاء بالمتطلبات التنظيمية والتقنية التي تفرضها المشروعات النووية، ولا سيما في دول تواجه تحديات اقتصادية أو نقصًا في الكفاءات الفنية.
الطاقة النووية في الدول العربية
اعتمدت دول مثل الإمارات والسعودية ومصر مقاربات شاملة في التعامل مع الطاقة النووية.
ففي الإمارات، شكّلت محطة براكة نموذجًا سبّاقًا في العالم العربي؛ إذ بدأت في توليد الكهرباء منذ عام 2020، وتضم 4 مفاعلات بسعة إجمالية تبلغ 5.6 غيغاواط.
واستطاعت المحطة أن تسهم في خفض استهلاك الغاز لتوليد الكهرباء في أبوظبي، كما قللت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 22.4 مليون طن سنويًا؛ ما يعادل إزالة 4.8 مليون سيارة من الطرق.

أما مصر؛ فتعمل على تنفيذ مشروع الضبعة النووي بسعة 4.8 غيغاواط، من خلال 4 مفاعلات من الجيل الثالث بالتعاون مع شركة روساتوم الروسية.
ومن المرتقب أن تبدأ أولى مراحل التشغيل التجريبي للمشروع في أواخر عام 2027، مع استهداف التشغيل الكامل بحلول 2030.
وتخطط السعودية لبناء محطة نووية بقدرة 2.8 غيغاواط، ضمن رؤية أشمل تهدف إلى توليد 17 غيغاواط من الكهرباء من المصادر النووية بحلول 2040، معتمدة على احتياطياتها الواسعة من اليورانيوم التي تمثّل 6% من المخزون العالمي.
ورغم التحديات التقنية والاقتصادية التي واجهها الأردن، والتي حالت دون تنفيذ اتفاق وقّعته عمّان، عام 2015، لبناء محطة نووية بقدرة 2 غيغاواط؛ فإنه يواصل استكشاف إمكان استعمال الطاقة النووية لتلبية احتياجات توليد الكهرباء وتحلية المياه.
كما تسعى بغداد إلى إعادة بناء قدراتها النووية، ولا سيما أن العراق يُعد من أولى الدول العربية التي أنشأت مفاعلًا نوويًا للأبحاث عام 1967، والذي توقف بسبب العقوبات الدولية.
بدوره، يعمل المغرب على تقييم إمكان إسهام الطاقة النووية في مزيج الكهرباء الوطني؛ إذ وقّع اتفاقية تعاون مع روسيا، عام 2022، لإنشاء أول محطة نووية في البلاد.

تحديات مالية وتقنية
رغم الطموحات؛ تظل تكلفة بناء المفاعلات النووية من أبرز العقبات التي تواجه الدول العربية؛ إذ تتطلب المشروعات النووية استثمارات ضخمة تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات؛ ما يشكّل عبئًا على ميزانيات الدول ذات الموارد المحدودة أو التي تعاني ضغوطًا مالية.
كما تفرض المشروعات التزامات طويلة الأجل، فيما يتعلق بالبنى التحتية، بما في ذلك شبكات كهرباء قادرة على استيعاب الكهرباء المولدة وتوزيعها بكفاءة، بالإضافة إلى تدريب الكوادر المحلية، وتطوير الإطار التشريعي والتنظيمي اللازم لضمان الأمان النووي والتعامل الآمن مع النفايات المشعة.
وأشار تقرير صادر عن منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول (أوابك)، إلى أن التحديات تشمل أيضًا الحاجة إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مجال البحث والتطوير، وتوطين التكنولوجيا، وبناء مراكز بحثية متخصصة في الطاقة النووية.
بدائل النفط
تُعد الطاقة النووية أحد أبرز بدائل النفط في إستراتيجية بعض الدول العربية الرامية إلى تنويع مزيج الكهرباء، وتوفير الكهرباء من مصادر غير تقليدية.
ومع التوجه العالمي نحو الحياد الكربوني، تتجه الأنظار إلى مصادر طاقة منخفضة الانبعاثات.
وترى بعض الدراسات أن الطاقة النووية يمكن أن تشكّل حلًا فعالًا للدول ذات الطلب الكهربائي المرتفع، بشرط توافر بيئة سياسية وتنظيمية مستقرة، وشراكات دولية موثوقة، وإستراتيجيات واضحة للإدارة البيئية والسلامة.
ورغم ذلك؛ فإنها ليست البديل الوحيد؛ فهناك توجه متزايد في دول مثل المغرب للاستثمار في الطاقات المتجددة، ولا سيما الشمسية والرياح؛ نظرًا إلى انخفاض تكلفتها التشغيلية، وسرعة إنجازها، وأثرها البيئي المنخفض مقارنة بالمفاعلات النووية.
جدوى اقتصادية وبيئية
بحسب رأي الخبير الدولي الدكتور عدنان شهاب الدين، في إحدى حلقات برنامج “أنسيات الطاقة” بعنوان “دور الطاقة النووية بالتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون في الدول العربية”؛ فإن استعمالها من شأنه أن يمنح الدول العربية ميزة اقتصادية واضحة، ولا سيما في أوقات ارتفاع أسعار النفط والغاز؛ إذ تتيح الاحتفاظ بهذه الموارد للتصدير، بدلًا من استهلاكها محليًا.
ويرى شهاب الدين أن إنشاء المحطات النووية سيعزز من مبدأ تنويع مصادر الطاقة، ويُسهم في تقليل الانبعاثات، ما يجعلها خيارًا إستراتيجيًا على المدى الطويل في إطار التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
كما يُحتمل أن تؤدي مفاعلات الثوريوم -في المستقبل- دورًا في تخفيف الأعباء الإشعاعية، ولا سيما في دول مثل مصر التي تمتلك احتياطيات كبيرة من هذا المعدن النادر، تُقدر بقرابة 380 ألف طن، تضعها في المركز الخامس ضمن أكثر الدول امتلاكًا لاحتياطيات الثوريوم عالميًا.

الخلاصة..
رغم تباين ظروف الدول العربية؛ فإن خيار الطاقة النووية يظل واعدًا، لكنه ليس حلًا سحريًا، إذ يحتاج إلى رؤية بعيدة المدى، وتمويل مستدام، واستعداد مؤسسي وتقني شامل.
كما أن نجاحه مرهون بتحقيق تكامل بين الأمان البيئي، والجدوى الاقتصادية، والدعم الشعبي، وسط منافسة قوية من بدائل النفط الأخرى، وفي مقدّمتها الطاقة المتجددة.
وإذ تمثّل الإمارات نموذجًا متقدمًا في المنطقة، تبقى بقية الدول أمام تحدي اللحاق بهذا الركب، مع ضرورة الموازنة بين الطموح الواقعي والقدرة على التنفيذ.
موضوعات متعلقة..
- أوابك: الطاقة النووية تشهد نجاحات وتحديات في 6 دول عربية
- هل تتعارض الطاقة النووية مع النفط والغاز في الدول العربية؟ خبير يجيب (صوت)
- خبير: استعمال الطاقة النووية في الدول العربية يفيدها اقتصاديًا وبيئيًا (صوت)
اقرأ أيضًا..
- إنتاج الطاقة في أميركا يحقّق قفزة تاريخية خلال 2024
- أكبر 5 دول عربية مصدرة للنفط الخام (رسوم بيانية)
- إدارة معلومات الطاقة تخفّض توقعات الطلب على النفط في 2025
المصادر:
- الطاقة النووية في الدول العربية تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك”
- بيانات محطتي براكة النووية والضبعة من منصة الطاقة المتخصصة