عاجل

تحركات روسيا للهيمنة على قطاع الطاقة في منطقة أوراسيا (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • لم يُبرَم أيّ عقد لشراء الغاز بين شركة غازبروم وشركة البترول الوطنية الصينية
  • عقد الغاز الحالي بين روسيا وأوزبكستان ينتهي في منتصف عام 2025
  • قازاخستان تحافظ على استمرار نقل الغاز التركماني والأوزبكي إلى الصين
  • المصافي الصينية تستورد حاليًا خام القطب الشمالي عبر عمليات نقل من سفينة إلى أخرى

تبذل روسيا جهودًا حثيثة لتعزيز هيمنتها على قطاع الطاقة في منطقة أوراسيا، وسط تفاقم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وانهيار هيكل عولمة ما بعد الحرب الباردة.

ويُعدّ تسارع وتيرة خطوط أنابيب غاز “باور أوف سيبيريا”، وإعادة توجيه مسارات نقل الغاز في آسيا الوسطى، وتزايد رغبة بكين في إمدادات طاقة مستقرة، من العوامل التي تُعيد رسم المشهد الجيوسياسي.

في هذا الإطار، لم يعد نظام إمداد الغاز الشرقي (EGSS) الطموح لشركة غازبروم الروسية (Gazprom) مجرد مشروع تجاري؛ بل أصبح ركيزة أساسية في محور روسيا الإستراتيجي نحو آسيا وخطط تعزيز النفوذ بقطاع الطاقة في منطقة أوراسيا.

بدورهما، تُرسّخ قازاخستان وأوزبكستان، من خلال تطوير بنيتهما التحتية للطاقة، مكانتهما بصفتهما شريانين حيويين في شبكة الغاز الأوراسية الناشئة، إذ تحولت الطاقة من مجرد سلعة إلى عامل نفوذ.

أولا: مشروعات “باور أوف سيبيريا” العملاقة

في 22 أبريل/نيسان 2025، وافق مجلس إدارة شركة غازبروم على مرحلة جديدة وشاملة في تنفيذ نظام خطوط أنابيب الغاز الرئيسة “إم جي بي في إس جي” (MGP VSG) ضمن برنامج نظام إمداد الغاز الشرقي.

وسيربط هذا المشروع الإستراتيجي بين البنى التحتية المنفصلة سابقًا لمشروعات “باور أوف سيبيريا-1″، و”سخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك”، و”باور أوف سيبيريا-2″ المستقبلية، ما يمهّد الطريق لمنصة تصدير غاز موحّدة إلى الصين، وربما إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ الأوسع.

خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي من سيبيريا إلى شمال شرق الصين
خط أنابيب نقل الغاز الطبيعي من سيبيريا إلى شمال شرق الصين – الصورة من رويترز

ويُمثّل خط أنابيب بيلوغورسك-خاباروفسك، الذي بدأ بناؤه في مارس/آذار 2024، محور العمل الحالي لنقل الغاز الروسي إلى آسيا.

وحتى أبريل/نيسان 2025، تمّ لحام 356 كيلومترًا من خطوط الأنابيب، ومدّها، وردمها، ويبلغ الطول الإجمالي لخطّ الأنابيب 828 كيلومترًا.

من ناحية ثانية، تمّت عمليات عبور نهرَي أرخارا وتوم تحت الماء، ويجري العمل حاليًا على عبور أنهار أمور وبوريا وزيا وتونغوسكا، وبلغت نسبة جاهزية البناء 37.6%.

ومن المقرر اكتمال المشروع في عام 2026، ومن المتوقع وصول أولى شحنات الغاز عبر خط أنابيب الشرق الأقصى إلى الصين بحلول يناير/كانون الثاني 2027.

وسيدمج خط أنابيب بيلوغورسك-خاباروفسك خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-1” – الذي ينقل الغاز من حقلي تشاياندينسكوي وكوفيكتينسكوي – مع نظام “سخالين-خاباروفسك-فلاديفوستوك”، الذي كان من المقرر في الأصل أن يكون “باور أوف سيبيريا-3″، ما يعزز مرونة الإمداد، ويقلل الاعتماد على موارد سخالين.

ويتميز نظام خطوط أنابيب الغاز الرئيسة بأنه مشروع ضخم، وهو ثوري من الناحية التكنولوجية، وستصبح روسيا أول دولة في العالم تُشغّل نظام أنابيب غاز برية بضغط تشغيل قياسي يبلغ 150 ضغطًا جويًا (14.7 ميغا باسكال).

وتشمل الإنجازات التكنولوجية الرئيسة تطوير أنابيب فريدة بقطر 1420 مم (فئة القوة كيه 70) قادرة على تحمُّل الضغط الشديد دون زيادة سمك الجدار، وإتقان تقنيات اللحام المتقدمة المناسبة لأنابيب الضغط العالي، ونشر أنظمة ضواغط وتنقية وتبريد جديدة مصممة للعمل بضغط 150 ضغطًا جويًا.

يضاف إلى ذلك الإنتاج المستمر للصمامات المتخصصة وتجهيزات التحكم التي تلبي المعايير التقنية غير المسبوقة.

وتُقلل القفزة التكنولوجية من عدد محطات الضواغط المطلوبة، وتُخفّض النفقات الرأسمالية والتشغيلية، وتزيد من الإنتاج بنسبة 25-30%، ما يجعل صادرات الغاز الروسي إلى آسيا أكثر تنافسية.

خط أنابيب باور أوف سيبيريا-2: المسار الغربي غير المؤكد

ما يزال خط أنابيب “باور أوف سيبيريا-2″، المُصمم لربط نظام إمداد الغاز الموحد بالصين عبر منغوليا (الاتحاد الشرقي)، في مراحله التحضيرية.

وأوشكت أعمال المسح بالليزر والمسوحات الهندسية على إكمال محطتي الضغط نيجنفارتوفسك-بارابيل-كوزباس-أغانسكايا وألكسندروفسكايا، وستكون محطة الضغط فولودينو في مقاطعة تومسك نقطة انطلاق المسار الغربي.

أعمال مدّ خط أنابيب الغاز بيلوغورسك– اباروفسك
أعمال مدّ خط أنابيب الغاز بيلوغورسك– اباروفسك – الصورة من الموقع الرسمي لشركة غازبروم

في المقابل، ما تزال هناك عقبات جوهرية، حيث لم يُبرم أيّ عقد نهائي لشراء الغاز بين شركة غازبروم وشركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وأدت خلافات الأسعار إلى توقُّف المفاوضات لأكثر من 3 سنوات.

من جهتها، تدرس الصين خيارات بديلة، مثل خط أنابيب روسيا-قازاخستان-الصين، وزيادة وارداتها من الغاز المسال.

ويتوقع نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الدمج الكامل لشبكات الغاز الشرقية والغربية بحلول عامي 2030 و2032 فقط، مع اقتراح تغويز الغاز المسال بشكل مستقل بحلول الذكرى الـ400 لتأسيس مدينة كراسنويارسك في عام 2028، ما يُشير إلى شكوك بشأن جاهزية خط الأنابيب.

الاستقرار المالي لشركة غازبروم

يُعدّ الوضع المالي المحلي لشركة غازبروم قويًا، حيث بلغت نسبة تحصيل مدفوعات الغاز الروسي المحلية 98.2% في عام 2024.

وانخفض الدين الاستهلاكي بمقدار 13.2 مليار روبل (158 مليونًا و400 ألف دولار)، ليصل إلى 139.8 مليار روبل (مليار و677 مليون دولار).

وفي الوقت نفسه، استعمل أكثر من 10.6 مليون مستعمِل خدمة الدفع الرقمي “الحساب الشخصي” لشركة غازبروم، ما أدى إلى تحسين تحصيل الديون بنسبة 29%.

ويدعم الانضباط المالي قدرة غازبروم على تمويل استثمارات البنية التحتية الضخمة بشكل مستقل.

منشأة تخزين الغاز التي تديرها شركة غازبروم ببلدة كاسيموف في روسيا
منشأة تخزين الغاز التي تديرها شركة غازبروم ببلدة كاسيموف في روسيا – الصورة من بلومبرغ

ثانيًا: تحوّل الغاز في آسيا الوسطى

تبرز قازاخستان بسرعة مركزًا إقليميًا للغاز، ففي اجتماع حكومي عُقد في 23 أبريل/نيسان 2025، أفاد وزير الطاقة، إي. أكينجينوف، بأن نقل الغاز الروسي إلى أوزبكستان ارتفع من 1.28 مليار متر مكعب في عام 2023 إلى 5.6 مليار متر مكعب في عام 2024.

وفي عام 2025، من المتوقع أن تزداد الكميات بنسبة 30% أخرى، لتصل إلى 7.3 مليار متر مكعب، وبحلول عام 2038، من المتوقع أن يصل النقل السنوي إلى 11 مليار متر مكعب.

ويُمكّن النقل من خلال التشغيل العكسي لأجزاء من خطوط أنابيب مركز آسيا الوسطى:

  • من روسيا عبر خط أنابيب “مركز آسيا الوسطى آي في إم بي جي” إلى خط أنابيب “إندر سي إس” في قازاخستان.
  • عبر قازاخستان عبر خط أنابيب مركز آسيا الوسطى في إم بي جي، ثم إلى أوزبكستان عبر منطقة كاراكالباكستان الكبرى.

وتشمل الاتفاقيات الإستراتيجية الداعمة لهذا التوسع: اتفاقية تعاون إستراتيجي بين شركة غازبروم والحكومة القازاخستانية (نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، واتفاقيات نقل الغاز بين شركة غازبروم وشركة كازاك غاز (يونيو/حزيران 2024) سارية المفعول حتى عام 2040.

تحديث نظام الغاز في أوزبكستان

تعمل أوزبكستان على تطوير بنيتها التحتية، وستُضاعف خطط التحديث للمدة 2024-2030 قدرة النقل من روسيا 3 مرات، لتصل إلى 32 مليون متر مكعب يوميًا (11.68 مليار متر مكعب سنويًا).

تجدر الإشارة إلى أن عقد الغاز الحالي بين روسيا وأوزبكستان (المُوقّع في يونيو/حزيران 2023) ينتهي في منتصف عام 2025، ما يُتيح الفرصة لإعادة التفاوض بناءً على الاحتياجات المتزايدة.

استمرار تدفُّق الغاز التركماني والأوزبكي إلى الصين

تحافظ قازاخستان على استمرار نقل الغاز التركماني والأوزبكي إلى الصين، إذ إن حجم النقل المتوقع لعام 2025 يُقدّر بـ36.2 مليار متر مكعب.

وتبلغ القدرة الإجمالية لخطوط أنابيب آسيا الوسطى– الصين إيه وبي وسي 50 مليار متر مكعب سنويًا.

ومن المتوقع أن ترفع خطط خط أنابيب الخط دي القدرة الإجمالية إلى 65 مليار متر مكعب سنويًا، على الرغم من أن التقدم ما يزال بطيئًا.

من جهتها، تحرص قازاخستان على التحوط من خلال مناقشة مشروع خط أنابيب غاز روسيا- قازاخستان-الصين، الذي من المتوقع أن ينقل 35 مليار متر مكعب سنويًا إلى الصين، بالإضافة إلى 10 مليارات متر مكعب سنويًا لتلبية الاحتياجات المحلية القازاخستانية.

ورغم ذلك، فإن تفضيل بكين لخطوط منغوليا أو الغاز الطبيعي المسال الأقل تكلفة يُبقي المشروع غير مؤكد.

أحد مواقع معالجة الغاز الحامض في حقل تنغيز
أحد مواقع معالجة الغاز الحامض في حقل تنغيز- الصورة من موقع شركة “TENGIZCHEVROIL”

طفرة الغاز في قازاخستان

يشهد قطاع الغاز المحلي في قازاخستان توسعًا ملحوظًا:

  • إنتاج الغاز (في عام 2024): 59 مليار متر مكعب (أقلّ بنسبة 0.2% مقارنة بعام 2023).
  • الإنتاج المتوقع (لعام 2025): 62.8 مليار متر مكعب (بزيادة مقدارها 6.4%).
  • الحقول الرئيسة: كاراشاغاناك، تنغيز، كاشاغان.
  • إنتاج الغاز التجاري (2024): 28.7 مليار متر مكعب، توقعات عام 2025: 29.4 مليار متر مكعب.
  • تشمل البنية التحتية المخطط لها:
  • 4 محطات جديدة لمعالجة الغاز (2026-2030) بقدرة إجمالية تبلغ 8.4 مليار متر مكعب سنويًا.
  • كبار المستثمرين الأجانب: شيفرون، أورباكون القابضة (قطر).
  • مشروعات استكشاف جيولوجي جارية باحتياطيات تُقدَّر بـ 535.5 مليار متر مكعب.
  • وتشهد معدلات التغويز ارتفاعًا:
  • 62.4% من سكان قازاخستان حصلوا على الغاز بحلول نهاية عام 2024.
  • ستُربَط شبكة الغاز لـ12.8 مليون مواطن بحلول نهاية عام 2025.

ثالثًا: مسارات الطاقة الروسية الصينية في ظل الحرب التجارية الأميركية

تُحفّز الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تحوّل الصين نحو الهيدروكربونات الروسية، حيث تُسدَّد 90% من مدفوعات الطاقة، حاليًا، بالروبل الروسي واليوان الصيني.

من ناحيته، أعلن السفير الصيني تشانغ هان هوي خططًا لزيادة واردات الغاز المسال من روسيا في عام 2025.

وتُبدي الشركات الصينية الخاصة اهتمامًا متجددًا بالنفط والغاز الروسيين، على الرغم من المخاوف من عقوبات أميركية ثانوية.

يبدو أن قطيعة علاقات الغاز المسال مع الولايات المتحدة واضحة، فقد أبرمت الصين عقودًا طويلة الأجل لأكثر من 20 مليون طن سنويًا من الغاز المسال الأميركي.

ومنذ فبراير/شباط 2025، لم تستورد الصين شحنة واحدة من الغاز المسال الأميركي، حيث أعادت بيع الكميات المتعاقَد عليها في أماكن أخرى.

ومن المرجَّح أن يعمل مشروع “باور أوف سيبيريا-2” بقدرة تتراوح بين 20 و30 مليار متر مكعب سنويًا في حال خفض إنتاج الغاز المسال الأميركي، بدلًا من قدرته المُصممة البالغة 50 مليار متر مكعب.

هيمنة متزايدة للنفط الروسي

ارتفعت صادرات روسيا النفطية إلى الصين، وبلغت صادرات عام 2024، 107.47 مليون طن، (بزيادة 2.3% على أساس سنوي).

وظلّت روسيا المورد النفطي الأول للصين، حيث تُمثّل نحو 19% من وارداتها.

وثبت أن التكهنات الغربية بشأن إحجام الصين عن شراء النفط الروسي الخاضع للعقوبات غير صحيحة.

النفط الروسي إلى الصين

من جهتها، تستورد المصافي الصينية، حاليًا، خام القطب الشمالي عبر عمليات نقل من سفينة إلى أخرى، مُحاكيةً بذلك الأساليب الإيرانية.

وما يزال النفط الروسي أكثر تنافسًا من حيث التكلفة من الخام الأميركي، لا سيما مع ارتفاع أسعار النفط الأميركي بمقدار 51 دولارًا للبرميل بسبب الرسوم الجمركية.

على صعيد آخر، فرضت ضغوط العقوبات آليات دفع مبتكرة، واستعمال العملات المشفرة في التسويات، وسلاسل مالية معقّدة تستعمل وسطاء لتحويل العملات المشفرة إلى روبل في روسيا، ورغم هذه العقبات، تتعزز مكانة روسيا في سوق الطاقة الصيني.

التداعيات الجيوسياسية

يُحقق رهان روسيا الإستراتيجي على آسيا نجاحًا، فمن خلال مزيج من الابتكار التكنولوجي والمثابرة الدبلوماسية والانتهازية الجيوسياسية، تبني موسكو نظام طاقة أوراسيًا مستقلًا عن الأسواق الغربية.

وبالنسبة للصين، ورغم حذرها، فإنها تُوائِم بشكل متزايد أمنها الطاقي مع الإمدادات الروسية، وسط تصاعد التوترات مع واشنطن.

ورغم أن الصين ما تزال حذرة من العقوبات الثانوية، فإن حاجتها إلى إمدادات طاقة مستقرة وبأسعار معقولة تجعل تعميق التعاون مع روسيا أمرًا شبه حتمي.

في العام الماضي، حقّق الطرفان رقمًا قياسيًا جديدًا في حجم التبادل التجاري، حيث بلغ 244.8 مليار دولار.

بدورها، تؤدي نهضة الطاقة في آسيا الوسطى، المتمركزة حول قازاخستان وأوزبكستان، إلى تعزيز الاستقلال الإقليمي، ولكنها تربطها بمناطق النفوذ الروسية والصينية.

في المقابل، فإن دور قازاخستان المتزايد في مجال النقل العابر يمنحها نفوذًا جديدًا في الدبلوماسية الإقليمية.

ويفتح انهيار تجارة الطاقة بين الولايات المتحدة والصين فرصة إستراتيجية لروسيا للهيمنة على تدفقات الطاقة الآسيوية في العقود المقبلة، ما يُغيّر التوازن العالمي لقوة الطاقة جذريًا.

وفي نظام الطاقة الجديد هذا، لا تُعدّ خطوط الأنابيب مجرد بنية أساسية، بل أدوات للتأثير الجيوسياسي، وتمثّل خطوط أنابيب الغاز عوامل مهمة لترسيخ نفوذ منطقة أوراسيا الجديد.

* فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى