تواجه استثمارات الغاز في تركيا منعطفًا خطرًا، رغم الاندفاع باتجاه عقد صفقات توريد طويلة الأجل، بدعم رسمي وحكومي، وخطط زيادة الإنتاج من الأصول المحلية.
وتكمن الأزمة في “مزاحمة” مصادر طاقة أخرى للغاز في مزيج الكهرباء؛ ما قلّص حصته مقابل زيادة لصالح الطاقة النظيفة والفحم.
واشتعلت حدة المنافسة بين مصادر الطاقة المختلفة، لمواكبة حجم الطلب على الكهرباء الآخذ بالارتفاع، تزامنًا مع معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات الـ5 الأخيرة، وفق تحديثات قطاع الطاقة العالمي لدى منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
وتثير حصص الطاقة النظيفة والفحم الشكوك، خاصة أن مُصدّري الغاز والغاز المسال يتطلّعون إلى وتيرة نمو سوق الطاقة التركية التي تُعد ضمن الأسرع عالميًا.
استثمارات الغاز في تركيا
تلاحق التهديدات استثمارات الغاز في تركيا رغم أنها سوق جاذبة للإمدادات، فالمطورون يحتاجون إلى معدل طلب مستمر ومستقر أو مرتفع حتى تحقق السوق نموًا ملحوظًا.
ورغم الزيادات التي سجّلها إنتاج محطات توليد الكهرباء بالغاز خلال النصف الأول من العام الجاري 2025، فإنها ما تزال أقل من المعدلات المتوقعة (التي حقّقت طفرات واقعية في بعض الأحيان سابقًا)؛ ما يثير التحفظات.
وأبدى المتعاملون في السوق تفاؤلًا مع زيادة توليد الكهرباء في المحطات العاملة بالغاز بنسبة 52% على أساس سنوي.
ويُشير المشهد بأكمله إلى أن “التعامل الحذر” يسيطر على سوق الغاز في تركيا، بين مطرقة الطلب المرتفع وسندان مصادر الطاقة النظيفة والوقود الأحفوري.
ويُشير الرسم البياني أدناه -الّذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- إلى واردات تركيا من الغاز المسال، منذ عام 2022:
ولتقييم مستقبل استثمارات الغاز في تركيا يتعيّن النظر إلى 3 معطيات رئيسة:
1) إسهام الطاقة المتجددة.
2) حجم الاعتماد على الفحم.
3) طفرة الطاقة النووية المرتقبة.
أداء الطاقة المتجددة
فاق إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الإمدادات المولّدة من المحطات العاملة بالغاز، في يونيو/حزيران 2025 الماضي وللمرة الأولى في تركيا.
ومنذ بداية عام 2025 حتى شهر يوليو/تموز الجاري، زاد إنتاج الطاقة الشمسية بنسبة 47%، مقارنة بالمدة ذاتها العام الماضي.
ولم يقتصر أداء الطاقة المتجددة الجاذب للنظر على الطاقة الشمسية فقط، وإنما امتد إلى الرياح أيضًا، واقتنص الإنتاج المشترك لهما 30% من مزيج الكهرباء التركي في يونيو/حزيران الماضي.
وتعكف الجهات المعنية في تركيا على تأمين قدرة جديدة، سواء من المشروعات قيد البناء أو في مراحل التطوير الأولية.
وتسيطر الطاقة النظيفة على نحو 90%، من أصل 13 ألف ميغاواط مرتقبة من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة.
وتشكّل الرياح 2.460 ميغاواط من القدرة الجديدة (المرتبة الثانية ضمن المصادر المساهمة)، في حين حلّت الطاقة الشمسية في المرتبة الثالثة بقدرة 1.336 ميغاواط، حسب بيانات أوردها مقال للكاتب المتخصص في تحول الطاقة العالمي، جافين ماغواير، المنشور في “رويترز”.
انتشار الفحم الروسي
تُعد تركيا سوقًا مهمة للفحم الروسي، في ظل القيود المفروضة على مبيعاته أوروبيًا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022.
وفي سبيل ذلك، تخفّض موسكو أسعار صادرات الفحم إلى أنقرة، ويساعد ذلك في استمرار الاعتماد عليه مقارنة بالغاز والمصادر الأخرى.
وما تزال محطات توليد الكهرباء بالفحم أكبر مصدر للإمدادات في تركيا حتى الآن، بحصة قُدّرت بنحو 36% العام الماضي.
وخلال الأشهر المنصرمة من العام الجاري، استحوذت روسيا على 88% من واردات الفحم التركية، مقارنة بمتوسط 24% خلال السنوات من 2018 حتى 2021 قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، حسب معلومات كبلر.
وساعد السعر المنخفض للفحم في ضغط الطلب على الغاز في تركيا، لارتفاع سعره مقارنة بالوقود الملوث.
وأنتجت محطات الكهرباء العاملة بالغاز 19% من إمدادات تركيا العام الماضي، وتُشير التوقعات إلى قدرات جديدة مرتقبة تعادل 890 ميغاواط من الغاز و700 ميغاواط من الفحم.
الطاقة النووية والتقنيات النظيفة
تحتفظ الطاقة النووية بنصيب الأسد ضمن القدرات الجديدة المرتقبة في تركيا، إذ يجري العمل على توفير 4.800 ميغاواط منها.
وتستعد تركيا للتشغيل التدريجي لمفاعلات أول محطة نووية في البلاد (محطة أكويو) في غضون أشهر، وهو الأول من بين 4 مفاعلات تقترب من بدء الإنتاج.
وبذلك، تسيطر المصادر المتجددة والنظيفة على غالبية طفرة القدرات المستقبلية، بما يزيد على نصف هذه القدرات، مع تقليص مساحة الغاز والفحم.
ومن جانب آخر، تقترن طفرة الطاقة المتجددة بتوسعة استعمال تقنيات التخزين في البطاريات، للاستفادة من فائض الكهرباء المنتجة بمواقع الطاقة الشمسية والرياح.
ويستهدف قطاع البطاريات التخزين بسعة 80 غيغاواط/ساعة بحلول عام 2030، لتأمين الإمدادات اللازمة لتلبية الطلب في أوقات الذروة وانقطاع الطاقة المتجددة.
وتُسهم هذه الإجراءات (سواء إنتاج الطاقة المتجددة، أو تقنيات الطاقة النظيفة، أو طفرة الطاقة النووية المرتقبة) في تأمين إمدادات ثابتة بأسعار زهيدة.
ومقابل ذلك، قد تتراجع حصة الغاز بمزيج الكهرباء والاستثمارات التركية، رغم توقعات نمو الطلب.
موضوعات متعلقة..
- إنتاج النفط والغاز في تركيا يحظى باستثمارات جديدة
- واردات تركيا من الغاز المسال تسجّل أعلى مستوى في تاريخها
- محطات الطاقة النووية في تركيا تجذب شركات عالمية.. هل تصب في مصلحة أنقرة؟
اقرأ أيضًا..
- حصري – سوريا تتفاوض لمضاعفة واردات الغاز القطري.. وهذا موعد الضخ من تركيا
- وزير الطاقة السعودي يحذر من سياسات تحول الطاقة والشعارات غير الواقعية
- تقرير أميركي يرفع توقعات أسعار النفط في 2025
المصادر:
